موضوع: الشباب يوماً؟؟ الأربعاء مايو 26, 2010 12:42 am
قرأت في أحد المجلات الشعبية أيام البساطة الفكرية ، بأن قوماً قالوا لمولىً لهم : تمن ياعبد ! فقال : أتمنى الروض أخضر ، والقمر أبدر ، وأنا لا أموت ولا أكبر ! لا أموت ولا أكبر ! حسناً ..ولأجل خاطري فلندع التركيز في حكاية الروض أخضر هذه، والقمر أبدر تلك ! فأما الروض الأخضر فقد سهل الوصول إليه ، وأما القمر الأبدر ففي إنارة البلدية غنىً عنه ! ودعونا في " لا أموت ولا أكبر " ! وحسناً مرة أخرى.. ولئلا نقلبها نكد وهي أصلاً نكد ، لنركز في " ولا أكبر " ولندع " ولا أموت " ! عن نفسي – وما ذاك إلا لنقص إيماني وعقلي – فتشغل بالي مسألة العمر هذه أكثر من مسألة الموت ! ولعل مرد هذا والله أعلم بأني أتعاطى وخزات الكِبَر يومياً ، وأما سكرات الموت فإني لم ولن أتعاطاها إلا مرة واحدة فقط ! وللامانة فكلاهما يتشابهان ويرتبطان ! فالعمر طريق الموت ! والموت محطة العمر الأخيرة ! وكذلك فهما متشابهان في الغدر والفجاءة ! فإنك لا تلبث إلا وقد قيل " لك " ( يا عم ) ! ولا تلبث إلا وقد قيل " عنك " ( رحمه الله ) ! ولنترك المحطة ( الكريهة ) – الموت - ولنعد إلى الطريق ( الغالي ) – العمر - ! فمشوار العمر وسفره هو الوحيد الذي لا يتمنى مسافره أن يصل لمحطته بسلامة أو بغير سلامة ! والعمر وخياناته وغدراته غريبة كثير الشيء ! ذاك أن ألذ أيامه هي أغدر أيامه !ولذا فضحه أهل المشيب فقال أحدهم : شيئان ينقشعان أول وهلةٍ *** ظل الشباب وخلة الأشرار
ومع هذا فإن أمر هذا العمر مع ابن آدم غريب جداً ، فهو يتفلت منه دون أن يشعر ، ولا يوقظه إلا بعد أن يكون قد أجهز عليه تماماً ، ليردد بعدها ابن آدم بغباء متكرر على مدى القرون: ألا ليت الشباب يعود يوماً *** فأخبره بما فعل المشيب !
سبحان الله يا ابن آدم تهدد الوفي الذي لا يتركك حتى تموت ( المشيب ) بالذي غدر بك وتركك ( الشباب ) ! ألم أقل لكم بأن أمر العمر غريب مع السيد آدمي ! وللأمانة الشخصية فأنا مثل أجدادي الذين ماتوا وفي حلوقهم غصة على المدعو " عُمُر " ! كما وأني مثلهم في زيادة الحنق عليه أيضاً، لأنه – أي العمر - سريع الخطو ،كثير الاستغفال ، يسرقك دونما تشعر ، تنساه ولا ينساك ، تقطعه ويقطعك ، تحسبه ولا يحسبك ، يأخذ منك ولا يعطيك ،إن تذكرته حزنت ، وإن تأملته عجبت ، تسير بزيادته ،ويسير بنقصانك ، تأخذ له ،فيأخذ منك ، تتمنى له القوة ، ويسير بك إلى الضعف!! فياله من لكيع ،وياله من غادر ، زيادته نقص ، وكثرته قله ، وغناه فقر .ثم هو سريع الغدر ،كثير النكث ، تفتنك صبوته ، وتحزنك غدرته ، يزخرف لك البعيد ، ويزهدك بالقريب ، فتذهب للبعيد ،فلا تجد سوى أسىً على مامضى ،وتلذذاً بتذكار ما انتهى .فلا أنت بقيت ، ولا أنت أبقيت ، ومع هذا تحبه بأحواله غدراً كان أو وفاء !! ومع غدرته بك ، ووفائك له ،إلا أنه لا يأبه لتمنيك ، ولا يأسَ لتأسيك ، فهو جامد مالح ،يزيدك شربه عطشاً ،وطوله تعلقاً ، ثم هو ماض على حاله التي فطره الله عليها ، لا تبديل لخلق الله ، ولا إصغاءً لمن تشعبث به من خلق الله !!
ولعل من اللطيف ذكره ومع طويل شتمنا لهذا العمر وتحذيرنا من غدره بأننا نحبه جيداً جداً ، بل إن الشاعر الذي فضح هذا الغادر الناكث وأخبرنا عن سرعة انقشاعه هو بذاته الذي قال في ذات القصيدة الفاضحة الراثية للعمر ما نكشه : لا حبذا الشيب الوفي وحبذا *** ظل الشباب الخائن الغدار
فهل رأيتم مغدوراً يحب غادراً إلا نحن !
وعموم القول وخلاصته ..بأني لا أريد أن أكبر ! لكن بشرط .. ألا أموت !